مجموعة مقالات صدرت لي في الملحق الثقافي لصحيفة الجماهيرية تحت عنوان في المزاد العلني

في المزاد العلني
-1-
لعناية السيد الفاضل: مركّب سـ......
بفيض من العناية والرعاية والدعم اللامحدود أولى أمين اللجنة الشعبية العامة للثقافة والاعلام عناية خاصة بالأدباء الشباب وكان أن التقينا على مدى يومين توّجت اللقيا بالاجتماع مع شخصه الكريم، شخصية قد سبق صيتها ظهورها، وكان أن تلطف بنا برقّي واحتواء ندر أن يتواجد عند غيرنا نحن كشعب ليبي، ولإن وجد فباختلاف المقاصد والرؤى.
وكان أن عدت لبيتي بمنتهى الانكسار وغاية في الاحباط لأن (مركّب سـ...) قد ساد معنا في الجلسة، هذه السـ... التي تجعلني قاب قوسين أو أدنى من مغادرة أدب الشباب إلى اللاوجود، نفس السـ التي طرقت أسماعي وأنا أحتضن رعشة القلم مابعد الاولى وأسعى بحلمي فأيقضني في جلسة اؤرخ بها عندما وجدتني بمكتب الأخ القائد بباب العزيزية وهو يعبر عن اعتزازه بقلمي السابح عبر أثير اذاعة الجماهيرية من خلال برنامج مايكتبه المستعمون ولربما وقتها طرقت أسماعي (سـ...) لكنني اعتززت بدعمه وعزمت على شق طريقي بسعي وثبات. كان أن وجه لي دعوة بزيارات متكررة وعندما عدت كان الباب موصداً... الذي يسعدني أن بعد تلك اللمحة الخاطفة بثمان سنوات قابلت القائد ببيت الاستاذ على مصطفى المصراتي فسألني رأيتك فيما سبق أين اختفيت؟
واليوم وأنا أتهيأ للإختفاء، أجدني ألملم حصيلتي خلال هذه السنوات لأضعها في مزاد علني لأنني اليوم لا أطلب لنفسي كوني لم أفعلها يوماً، فكان أن كشفت ظهري وأوليته لمن لا يقدرقيمةً للثقة وحسن الظن.. يال حسن ظني..! وإنما ماأطلبه لنور في الطريق لأنْ يولدَ لي وأمل يشرق لي وأرغب في أن يكون في مأمن من أن يساوم على حريته وكرامته وعزة نفسه مقابل لقمة عيش كريمة وحياة رغدة... " في الحاجة تكمن الحرية".
ورصيدي أيها المركب سـ.. أدب عشقته منذ طفولتي وتشربته سفح شبابي لأصل لهرم كبر أو صغر، أثق من أنه يمثل بصمة وتميز لي، إذ حالفني الحظ لأحضى برفقة الشعر مع الاستاذ الشاعر لطفي عبد اللطيف والاستاذ الشاعر على الفزاني ولن أتمادى فمن يعرفني لن يجهلني وانت أيها المركّب سـ أعّرفهم بي، فبفضلك سـ..ألتحق بدرسات عليا منذ دهور وسـ..أطبع ديواني منذ عصور، وسـ..يرى كتابي الأول في الصناعة الدوائية النور منذ عام مضى، وسـ.. تتحسن أحوال المرتب أو بالأحرى سـ.. أتمكن من إنشاء مشروعي الانتاجي لأنجو من التسلط الاداري والاضطهاد الوظيفي، والذي يعز علي القول أنني توجهت به لجهة ما واختفى المشروع مع الجهة ولدي من الأفكار غيره الكثير سـ.. أسعى لتحقيقها.. وسـ...سـ... سـ... ومن بينها سـ..أنخرط في لجنة من لجان الأدباء الشباب التي اقترحها علينا الأمين في لقائه الاول ووعدنا بمناقشتها والتحاور فيها في لقائنا الثاني ولقاءات أخرى سـ.. تتكرر وأخشى مأخشاه أن نثقل كاهله فنأخذه من أعماله ونصبح شغله الشاغل، وسـ.. نعمل على تحسين المشهد الثقافي الحاضر، وسـ..نسيربخطى حثيثة لنثبت حضورنا الفعّال في القيام بمهامنا على أحسن وجه، وسـ.. ننير شموع المستقبل لجيل يحمل راية الشباب من بعدنا.
ورصيدي أيها المركب سـ.. علم خصتني به ثورة الفاتح من سبتمر العظيمة، رعت خطواته أمي وباركه أبي وعززه بالدعم زوجي ، فلولا الثورة ما كنت لأحلم بتجاوز عتبة التعليم الاساسي أو الثانوي أما أن أجلس على مدرجات كلية الصيدلة ربما عندها سأبدو طفرة زماني، وللثورة أدين بشهادة كفاءتي في تخصصي وذلك من ذوي الخبرة والاختصاص في منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيدو وغيرهم ممن اتيح لي التعامل معهم داخل وخارج الجماهيرية العظمى التي يسمو قلمي من أن يمس بها وبمسارها وتوجهاتها، ولن أهتم بعدها بتقديرات أخرى أحسبها لحسن ظني، ويال حسن ظني أنها لن تؤثر في قيمه ما أعرضه في هذا المزاد.
هذا المزاد أضعه تحسباً من خيبات أخرى لآمال لا أقدر أن اتبين مصدرها وتدهشني ببزوغها كلما حانت لفتة بنهضة ثقافية ما أو لمسة كريمة لتفعيل المشهد الثقافي، ذات الآمال التي أخذتنا لست سنوات متتالية نقطع الصحراء في ظروف أقل مايقال في مظهرها بائسة، وأعمق مايصل إليه جوهرها عشق الأدب، فبتهالك وسائل النقل وطول الطريق القاحلة من طرابلس إلى "زلة العشاق"1 عمّدنا ولادة مهرجان زلة الثقافي السنوى في رحلة خريفية جاءت بعد مخاض ربيعي لزلطن الجميلة "سلة الفرح"2 وموسمها الأدبي الذي خضناه لسبع مواسم ونسعى لدعم عرّابته السيدة الفاضلة الشاعرة حليمة الصادق كي تنوء به عن التعثر والاندثار.
في رصيدي مشاهد ووقفات من مهرجان المواهب الأدبية الاول والثاني والثالث "ببنغازي النهار"3 وجوائز بمرتبة أولى في الشعر والقصة ومنابر شهدتها وشهدتني في مجمل مدن الجماهيرية من سبها إلى سرت، من تغسات إلى أولاد يعقوب، من مصراتة إلى الزاوية، من أثير صوت البحر الابيض المتوسط إلى النقاط الخمس فالجفرة والفضائية الليبية، وشهادات مسموعة ومكتوبة وحروف متناثرة في الطالب والشاهد والثقافة العربية والفصول الاربعة ولا والشمس والجماهيرية والشط والنهر والعرب وأخبار بنغازي والاسبوع الأدبي وكتابات معاصرة وحركة الشعر وبين براثن العنكبوت في الشبكة الدولية للاتصالات والمعلوماتية.
وفي رصيدي خطوات أولى بنادي السنبلة العالمي للصداقة وجمعية تبر الشرق الأهلية لرعاية الشباب توجت بمشاركة ضمن الوفد الليبي بمؤتمر المرأة ببكين في العام 1995 ف، وفضاء الشعر والقصة، ومنتدى المرأة، و....، سـ ... تكون هناك خطوة أولى مع احدى لجان الأدباء الشباب طالت أم قصرت مالم تؤتي أوكلها سـ.. تظل خطوة أولى.
هذا العرس البهي من أعراس الديمقراطية والشفافية والنزاهة، الذي يرعاه أمين اللجنة الشعبية العامة للثقافة والاعلام في سبقٍ يفعمني بالدهشة، وفي خطوة تتوحد مع رغبتنا الصادقة في تجسيد تنمية ثقافية شاملة ومستدامة، تجعلني أمسك بأهداب الأمل وأخشى من أن يلزمني (مركّب سـ..) بالتخلّف عن الركب.
د: أم الخير الباروني
21/09/2006
في المزاد العلني
-2-
الذي دار بمخيلتنا ونحن نتكهن بالألفية الثالثة وعصر الميكنة والحواسيب، صوّر لنا أن العمل اليومي ستؤديه الآلة وشقاء الوظيفة سيتولاه الروبوت أما عناء تجهيز الأكل فسيكون عوضاً عنه محض حبيبات وأقراص تغني عن الموائد العامرة، ولنا وقتها أن نتكاسل أو نطوف في رحلات مكوكية بين الاجرام والأقمار السماوية بلا مهام أومسئوليات.
وربما طالعنا حسن الظن.. يال حسن الظن..! واعتقدنا في أن التنمية الشاملة والمستدامة متمثلة في الاستثمار البشري، تمثل رصيداً هاماً وحيوياً لنجاح أي خطة اقتصادية أو اجتماعية بعيداً عن أوهام العصر وأحلام الفضاء. فأن تستهدف عقل الانسان بالبناء والتطوير دون أن تغفل احتياجاته المادية والنفسية، تتمكن من تحقيق المعادلة في بناء مجتمع مقتدر- هذا المجتمع الذي قوامه رجل وامرأة- قليل التكاليف قادر على التكيف مع التقنيات والمعارف الحديثة، واسع المدارك في خلق خيارات جديدة تبعده عن المسارات الموجهة والتي تفرضها الظروف الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وكلما ازداد الانماء البشري سواءً كان مدروساً ومخططاً له من قبل الجهات المختصة أو بالاعتماد على التحصيل أو التثقيف الذاتي من قبل الافراد، كلما كانت آلية المجتمع أعلى في القفز خطوات إلى الامام.
"البشر هم الثروة الحقيقية للأمم" فأن تتركز هذه الثروة في الكم لا الكيف، وفي الوسيلة لا الغاية، وفي خلق آلات داجنة تسير مع حركة العجلة وتتوقف بوقوفها، والأدهى من ذلك أن تقوم بتخريج عقول مستهلِكة بدلاً عن صناعة الفكر وجعله أكثر مرونة وايجابية وجودة وارتباطاً بالعلم والمعرفة وتعريفاً بالهوية الثقافية وتطويراً للنمط السائد، فبذلك تتعزز سطوة التسلط الاداري وتتركز سلطة الاضطهاد الوظيفي ويظل الغرض الاساسي من التنمية البشرية وتفريد شخصية الانسان وتحفيزها وانعاش النشاط البشري، أحلاماً تحدها أحادية التفكير وتقليدية الطرح والمعالجة وتثبيط روح العمل الجماعي والتصنيف الذكوري الأنثوي، بعيداً عن تقييم والأداء وتحديد المسارات الوظيفية وأنماط الترقيات وتحسين الأداء.
هذه المسالك تمثل رصيداً مرتبطاً بالرجل كما المرأة بل ينبغي أن أخص المرأة، لأنها بهذا الرصيد حال استهدافها ضمن منظومة العمل والاقتصاد، تبدو بمظهر الخارقة وهي ترعى زوجها وتعتني ببيتها وتربي أولادها وتؤدي التزاماتها الاجتماعية والوظيفية دون أن تهمل اطلاعها على خفايا النت أو اكتشاف حقيقة علمية أو الانخراط في أي مجال يمكّنها من تحقيق التطور البدني أو الذهني، فنجد فيها آلة الزمن المعاصر وروبوت العصرالحديث الذي يملك تقنية خاصة بالزمن تغطي كافة المهام، إذ أن بعضها تنجزه في ذات الوقت وفوق هذا وذاك يظل هذا الرصيد الخاص بالمرأة تحديداً، ليس بغاية، وإنما..! ماهو إلا وسيلة يستعاض عنها سواءً كان على مستوى العائلة أو الوظيفة عند أول شكوى مشروعة أو غير مشروعة، ولها أن تضعه في المزاد طالما أنه بصمةُ تميزٍ لها وحدها، لايدخل عرف انجازات المجتمع أو الإنماء الوظيفي، فهي مبعدة لأنها حامل، ومستثناة لأنها مرضعة، ومدانة لآنها ربة عائلة، فلا تملك إلا أن تختصر المسافة وترفع مزادها.
هذا الرصيد، منذ عصر الماموث وحتى فجر الاسلام وإلى ثورة الفاتح من سبتمر العظيمة، رعت المرأة مسيرة حياتها بذات النسق، عنايةً ورعايةً وتربيةً والتزامات، فتجدها حيناً كانت تسحب من شعرها، والآخر اتيح لها فيه أن تعبر عن رأيها فهاجرت تجاهر بحريتها في العقيدة وبايعت تأصيلاً لدورها السياسي وجاهدت تأكيداً لإلتزامها بحق الدفاع وقرّت في بيتها عند انتفاء حاجتها للخروج ذلك بمنتهى الحرية في اتخاذ القرار والاختيار، ولولا الثورة لما أتيح لفيض من نساء بلادي أن يقدْن مفرزة التحرر والتقدم على نساء كثر في العالمين، تزرع فكر التكافل والتشارك والابداع الانساني ومن المهين أن تصطف بمثل هذا الرصيد في المزاد العلني وتسهم في ضياع الطاقات البشرية للمجتمع.
وفي الرصيد أوراق علمية وبحوث وبراءات اختراع وأسماء نقشت في الخارج بحروف الشمس ومازالت تخوض غمار العطاء، والمؤتمرات والندوات وورشات العمل تشهد بذلك.
هذا المزاد أضعه تفعيلاً لنظرية البيع والشراء في نظام السوق المفتوح ومشاريع الاستثمار الداخلي والخارجي والافريقي ونظريات المال ورأس المال البشري وغيرالبشري، ذلك أن تقادم الجهاز الوظيفي وتكلّس العقول المسيرةً أضف إلى ذلك الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة في الخطط التنموية، تجعلني أنأى بنفسي عن اشكالية التنمية بمخرجات أخرى قادرة على أن تترجم الخبرة المهنية والمهارة الفكرية، أما عرضه فهو خطوةً للسير بعيداً عن الانعزال ومحاولةً لمد جسر المشاركة مع المثقفين للبحث في عمق مشاكل المجتمع، وبعيداً عن الاحباط بقدر يسير من الجهد للمساهمة في التوعية وتوسيع المدارك كرسالة منوطة على عاتق كل مثقف، كونه يمثل الطليعة الواعية والمدركة والقادرة على الفعل والتغيير.
أم الخير الباروني
26/09/2006
في المزاد العلني
-3-
المدهش في الانسان أنه كلما دعته الحاجة الى شئ اخترعه، ففي الحضارة الاغريقية نطالع كل ماهو شيق عن اليونانيون القدامى، أثارهم الأدبية والفنية، أنماطهم الفكرية في ابتداع نموذجهم الخاص بالديمقراطية دون أن نغفل جذوة النور في الفلسفة والطب والهندسة وعلم المنطق الذي يدعو وبشكل ملحّ للتساؤل، ما الداعي لكثرة الآلهة في الميتولوجيا القديمة؟ فالتراث الشعري والملحمي يعج بآلهة الاوليمبس، تنوعت أسماؤهم وصورهم فمن إله للسماء إلى إله الحرب، ومن إله للرعد إلى إله للبحر وإله للأرض وإله للحب فيطالعنا بوسيدون وزيوس وهيرا وهاديس وديميترا وهامفيستوس وغيرهم، كون أن تلك الحضارة كانت مهداً للعلم والفلسفة، وقد اتسعت لتشمل مدائن وأصقاع شاسعة، تجمعهم لغة واحدة ويربط بينهم تراث واحد وينتمون لمعتقدات دينية واحدة ويعزز بينهم شعور بوحدة المصير.
ومن بعدهم كان للرومان معتقداتهم وآلهتم في الارض والسماء فنجد أورانوس ونبتون و فالكون وفينوس.. وغيرها الكثير، وعلى مر التاريخ سواء تقدم الفكر بالبشرية أو تأخر غالباً ما تدعوا الحاجة بالبشر إلى اتخاذ الآلهة خوفاً من الشرور أو طمعاً في الخيرات أو اتقاءً لما هو في الغيب، ومروراً بآلهة العرب الأقدمين إلى اللاّت والعزّة وهبل، وإذا ما تجاوزنا تلك المعتقدات وحاجتهم إلى وجودها في تلك الحقبة من قبل ميلاد المسيح عليه السلام، يلحّ ذات التساؤل، ما الداعي لأن يتبع الانسان نفس المسلك بعد ميلاد المسيح ووفاة خاتم الانبياء والمرسلين، ويندفع الإنسان لصناعة أنصاف الآلهة؟ تلك الكائنات البشرية التي لا تخطئ أبداً. لماذا ينساق وبملء إرادته الانسانية في الاختيار، ليضع الطوق حول عنقه؟ ويجثو مقدماً فروض الولاء والطاعة في حين أن حضرته وقداسته كانسان، كفلت عندما انهارت كل الحواجز بين الخالق والمخلوق بمجئ رسول الانسانية صلوات الله وسلامه عليه.
وكل الشواهد من حولنا تطالعنا بتلك الصناعة، صناعة الآلهة..أو بالاحرى أنصافها؟! فمفكرة العم سام مليئة بنجوم ومشاهير وأبطال تصنع لها هالات، وتزرع في عقول المراهقين وغيرهم هوساً بكل فعل أو أثر يقوم به هذا المغني أو تلك الممثلة أو ذاك اللاعب، ومن حول تلك المفكرة، يطوف أساتنة العالم يمجدون سعيها وينتهجون منهجها ويتبركون بفكرها وتنظيرها، وتتسابق وسائل الاعلام لتغطية المآثر والنجاحات والفضائح ذلك أن (أنصاف الآلهة- المسوخ البشرية) تتنازل أحياناً عن سدتها العظيمة ومكانتها السامية فتفعل ما يفعل البشر، فقط لكي نتعظ ونقتدي ونتبع مافعلوه كي لا نقع في المهالك، ولا نلقي بأيدينا إلى التهلكة، ولا تبخل علينا مفكرة العم سام في ذكر بيان وتبيان الأصل والأثر، فالحرية ليست حكراً على أحد، قد ولد الناس أحراراً ولكنها قد تكون بمراتب؟!.. والمعتقد الديني، شأن شخصي لا دخل لآي أحد به وحرية المعتقد مكفولة، ولكن يفضل لو أن تغرد داخل السرب ومهما تكن أصولك أو قناعاتك؟! فليس من داع للحجاب ، وآيات الجهاد تكرس للإرهاب، ناهيك عن أن بعض الشعائرالدينية تحتمل التفسير بالوثنية.؟!... وقد تكرس صناعتها فيما يجب أن تريده لنفسك أو تفعله بها، كائنا من كنت دولة أو منظمة خيرية أو حتى فرد، ومن ذاك قد يتشبع البعض فيضيف اليهم نصف إله آخر يسميه خبز اليوم، ونصف إله آخر يسميه قوت الغد، ونصف إله آخر ينعته بوليّ الرزق، وأنصاف آلهة أخر، تُخْلَع عليها الهيبة والقداسة، كلما تراكمت أرصدتهم قابلها خلل في نجابة الفكر لصنّاعهم، ومتى ما تكدست ثرواتهم عتِم صفاء الذهن لمريديهم، وإذا ماأصطّفو مأخوذين بزهوهم ضاع دليل الرشد لمواليهم. ناسين أو متناسين قول الحق جلّ وعلا.
ولا حاجة بي اليوم بالذات لوضع أي مزاد، ذلك أن آله الخوف مات منذ بزوغ فجر الحرية.
أم الخير الباروني
05/10/2006
في المزاد العلني
-4-
طيبوا المنازل بفوح العطر وشذى البهجة والسرور، هلَ العيد. وكسائركل عيد يأتي حاملاً ومحملاً، نضراً وفتياً، بشوشاً وفرحاً، ومثل كل عام نقلب صفحات الايام تغمرنا البشائر وتحوطنا الافراح بحدث جديد نعيشه أو أملا ننتظره أو ثمرة نتلذذ بجنيها بعد طول عناء، وقد ينتابنا الأسى لمن غادرنا مخلفاً نقشاً لم يكتمل أو سطراً لم يجف أو بذرة تتهيأ للنماء، فينكشف الكون كله عبر فقاعة من هواء، ونمضي لنصافح بالسلام والمودة والتسامح، فهاهو ذا العيد جاء.
ولغة التسامح، سبر لأعماق النفس، وجلاء لمعاني الاشياء، ووقفة تمحو الحجب عن أن كل شئ إلى زوال، وأن الزاد الانساني في الرفق والتعاضد والمحبة، وأن صفاء النفس يكون بمنح الأمان ودفء المشاعر في مسحة على رأس يتيم أو مواساة لأم ثكلى أو وردة من زوجة لزوجها أو قبلة حنان من والد لولده، فيفيض القلب بالرضا وتشعّ الروح بالطمأنينة.
ولغة التسامح، نغم بين الجار وجاره، ونشيد يمس شغاف القلب لأصدقاء العمر ورفقاء الدرب، وفيض ضياء يزيح الكدر فيدرك المرء أن العمل عبادة، واتقانه من الطاعات، وشح المال فيه ليس مرهونا بشح المشاعر، وكثرة الاوامر والنواهي ليست من تسلط الفرد وانما هي سلطة القانون وإن ظهرت في نموذج لا يتقبل المراجعة والنقد، ليتبلور في الذهن أن العيد مناسبة لها من الدلالة والعمق أبعد من علب الحلوى والهدايا الجميلة وزينة البيت والثياب، وكرم المشاعر أرقى من مظهر فجّ لدمية في يد أعوز ما تكون لقلم أو كساء، أو لقمة في فم أصدق ما يبتغيه الحق، أو مصافحة لكف أحوج إلى الطهارة من نزف دماء مصافحها، إذ كيف هو نغم الجيرة وهديل التسامح بين القدس وجيرانها؟ بأي نشيد شيشدو أطفال بيروت؟ وأي ضياء سيجلو كدر بغداد؟
العيد جاء، كل منا ينضح بفرحه وغضبه وانشغاله، وتأخذنا الشجون في ذروة الفرح لنتساءل كيف نسامح ومتى نصافح؟ دون أن يكون تسامحنا ضرباً من الجنون، وتواضعنا باباً من الحمق. متى نعتذر ونأسف؟ ولمن؟ حتى لا نتهم في شيمنا وأخلاقنا وقيمنا، ماهو أوان الرحمة والايثار؟ كى نكون بمنجى عن مطامع المستغلين.
العيد جاء، وتتواتر مرائي ومشاهدات، فالعيد يأتي كل عام، وهذا مسيء لوالديه وذاك مضر بجيرانه، تلك يضطهدها زوجها أو أنها تضطهده، وغيرها تناكف شقيقها أو أنه يشاكسها على بيت أو أرض أو مال، هولاء ينتخبهم الأمين وغيرهم يبعدهم المدير، أولئك يغبنهم القانون وغيرهم يكبتهم المجتمع، فتتعدد شجونهم وسجونهم، من حبيس الجدران إلى حبيس الدرجة الوظيفية، من حبيس العادة شرباً وتدخيناً وما هو أنكى إلى حبيس ظلمة البصيرة، فينحاز لفكرة أويتعصب لرأي ويتشدد لموقف أويتطرف لمذهب أو عقيدة دون أن يتيح لنفسه فرصة لحوار مع العقل أو جدل مع الآخر، ذاك الآخر الذي يتآمر على الاسلام بحجة حرية الرأي ويسيء للرسول الكريم بدعوى حرية التعبير، ويمس بالدين في تواطؤ مطلق مع اليهود في مواجهة العرب والمسلمين، فما هو ميزان التسامح الذي يكفل قيمة عامة ومبدأ أساسي للدين الاسلامي ويضمن عدم مساس الغرب العنصري به، كمبدئهم الذي يجرّم التعرض لاسطورة محرقة اليهود؟!
العيد جاء فلنتسامح وزكاة مشاعرنا بسمة رضا نرسمها على شفاه مريض، العيد جاء وزكاة قلوبنا خفقة فرح بعثها في قلب يتيم، العيد جاء وزكاة أعمالنا سعي للحق ودحر للباطل، ولهج افئدتنا أن الصبرعلى المكاره ماهو بالضعف والترفّع عن الصغائر ليس بمضيعةٍ للحق، وتقبيل يد الوالدين مكرمة لا استكانة، وطاعة رب العمل احترام لا مهانة ومواجهة مغتصب الحق والارض والعرض واجب وشرف وكرامة.
أم الخير الباروني
17/10/2006
العابرون... ولإن لم يكن العابر ليترك أثراً، إلا أنهم خلفوا فقداً وألماً يتدفق من بين طيات الأمس ليمثل بيننا شاهداً على عنف المحتل، وبشاعة الظلم الذي رمى بأبناء وطني الى كنف الظلمات، وحط بهم في المجهول، في أرض لم يألفوا رمالها وسماء يستنكرون أركانها، وشمساً أفتر من أن تمنحهم سمرة جبينهم، ومدى أضيق من أن يتسع لعشقهم "الحرية".
العابرون.. جاءوا في نزهة وهذا ما صوره لهم جهلهم بهذه الارض والسماء، فصاروا حطب نيرانها وفرائس صيدها، وكانت نزهتهم وبالاً، ومسيرتهم وصمةً تلطخ دفاتر أمسهم وغدهم.
السادس والعشرون من اكتوبر1911، ذكرى المنفيون، اليوم الذي غابت عنه بهجة اللون وتأذى له بهاء الشمس، حينما أباحت ايطاليا لنفسها أن تبعد مايزيد عن 594* ليبياً عن أرضهم ظلماً وعدواناً من ميناء طرابلس وذلك بعد معركة الشط مباشرة، لتليها قوافل الابعاد والتهجير إلى السجون الايطالية في السنوات اللاحقة. في هذا اليوم من كل عام تضج الموانئ بأنين نفيهم، ويضيق الافق بأرواحهم الهائمة تتلمس درب الرجوع منادية: قسراً انتزعت من أرضي، وغصباً أبعدت عنها، وظلماً عوقبت على ذنبٍ هو حقاً طبيعياً في الدفاع عن النفس والوطن، ومقاومة تسلط العدو الدخيل.
العابرون.. وإن جثمت جحافلهم مروا، وان قويت شوكتهم انكسروا، وإن استعلوا في الارض اندثروا، إلا انهم خلّفوا خيطاً رفيعاً من ثقافة الافضل علماً وحضارةً وتمديناً، هذا الخيط اتيح للبعض أن يسير فوقه بثبات والبعض تنطط عليه كبهلوان مهرج والآخر ترنح بين أن يتمسك بالمأثور أو يتآلف مع الموجود وغيرهم ممن لم يتقبل فكرة الأخذ أو الاندماج وكل هذه الحالات مع اختلافها إلا أنها علامة صحية لاتساع الفكر وتقلبه وتفاعله مع معطيات الحياة بكافة التفاصيل والاحداث. هذا الخيط ولّد تبرعماً في بعض النفوس التي طفقت تزرع روح الهزيمة وتكرس للتبعية والخوف والتراجع إما عن جهل أو ربما عن قصد، لكنها تشكل خطراً أكثر عمقاً ممن يحمل في يده سلاحاً يستلب به الروح ذلك أن الاستلاب الفكري وما ينتج عنه من تفسخ في الهوية وانتماء مزدوج، يهيء بيئة خصبة لكافة الامراض العصرية ومايصاحبها من تشوش ذهني يجعل من العمل الجماعي "شللية"، والانسياب ضمن آلية العمل استئثاراً بالمعلومات، فتنقلب موازين الثواب والعقاب، فالتهميش تقديراً للكفاءة، والإقالة نظيراً للجهود المميزة ، واستجلاب البديل الغربي منحةً أو بدلاً للخدمة المبذولة.
إن روح المسئولية، تلهم الفرد بعناصر البناء والتجديد وتحثه على التمسك بالمثل النبيلة والاهداف السامية تعزيزاً لقوة المجتمع والتي تعكس قوة الوطن، وتحفز روح العطاء من أجل اصلاح واقع الفساد والتردي لتحقيق مجتمع السعادة والرفاهية في ظل سلطة القانون ودون وصاية من أحد. والذي نلمسه في الواقع المعاش وجود بعض النماذج التي تتعمد التعتيم والتضليل إما لوجودها غير المشروع أو لسيرها في ركب الفساد ومن هنا تنشأ الازمة التي تجعل من ذوي الكفاءات إما في صراع وجود أو في حالة رفض وعزوف وانزواء، فالحوارات عقيمة، والمناقشات غير متكافئة، والاجراءات مستبدة، وهو ما يعد غريباً عن مجتمع كفل حرية الفكر والتعبير وينادي بتعزيز الحريات منذ فجر الفاتح من سبتمبرالعظيم.
ان فتح المجال أمام تبني الافكار الوافدة، وتبادل الحوار الفكري دون انبهار بالغرب أو شعور بالدونية وإنما على أسس الندية ومخزون معرفي وفكري متحضر، هذا يعد من أهم الخطوات التي من شأنها أن تمنحنا القدرة الفائقة على تجاوز كل مراحل التخبط والمراوحة وتجاوز أزمات الحاضر للإنطلاق نحو المستقبل بخطى حثيثة وثابتة دون وجل من التيارات الوافدة لأننا كلنا ثقة في مناعتنا وحصانتنا الفكرية. فالعابرون وأمثالهم ممن يتمسكون بتلابيبهم ويقفون في حضرتهم وقفة التلميذ في حضرة استاذه لم يكونوا ليوقفوا سيل الابداع الدافق فكراً وعلوماً. العابرون ممن استلبتهم قشور الغرب فأصبحوا صورة ممسوخة عن أفكاره، أولئك ممن تتيح لهم مراكزهم ومناصبهم التقييم والرفع والحط من شأن العالم والمفكر والمبدع، وتمكن لهم من صنع العراقيل وزرع العقبات، فيأصلون لثقافة التردد والسلبية والتخلف عن ركب التجديد والمواجهة والاعمار، ويأسسون لحواجز العزلة عن الارض والوطن، ويقدمون أسمى خدمة عجز عنها المستعمر الدخيل ألا وهي زعزعة الحس الوطني.
بالأمس عشنا ألم النفي بعيداَ عن الأهل والوطن، ولكن الأشد إيلاماً أن تسكنك روح النفي داخل وطنك.
أم الخير الباروني
21/10/2006
في المزاد العلني
-6-
استهل اليوم بما اختمتت به( بالأمس عشنا ألم النفي بعيداَ عن الأهل والوطن، ولكن الأشد إيلاماً أن تسكنك روح النفي داخل وطنك). هذه الروح التي نغذيها بسلبيتنا وجمودنا وتراجعنا عن الحق، فروح النفي تكمن في سلبية المثقف وتخاذل الموظف وتكاسل الطالب وتواني المعلم، بغض النظر عن الاسباب والمسببات، وماإذا كانت قد نشأت بمشيئة الفرد أم أنها زرعت فيه قسراً، فالشواهد كثيرة والدلائل جمة، قد نبحر بين بعض منها ونتصفح غيرها ونقع بين براثن أغلبها ولكن الأهم من كل ذلك هل نمتلك الآلية لردعها وصدها، هل لدينا القدرة على طمسها ومحو معالمها وإزالة أثارها المدمرة التي تجعل من المثقف يعيش في جزيرة خاصة به معزولاً عن الوسط والمحيط فيستمع وينظر ويناقش لنفسه وينكفئ عليها دون تواصل فعلي بالمجتمع، والموظف في حالة عد تنازلي ذهنياً ونفسيا وسلوكياً وهو قابع في دوامة آمان المرتب الوظيفي أم مجازفة العمل الحر، والمتوالية الحسابية لطالب العلم والمعرفة أو بالأحرى طالب الشهادة العملية تلك المتوالية بنظرة الاشراق لمستقبل في غياهب الجب والمعلم الذي أصبح استاذاً في الطبخ ذلك أن المردود من موائدنا العامرة في الأفراح والمآتم يغني عن وقفة التبجيل والاكرام التي عز أن يحضى بها في بعض الاوقات، ومن ذلك عندما تعمّ مثل هذ الروح يصبح الفرد سواءً كان مثقفاً أو معدوم الثقافة وكأنه كائن غيبي لايمكن إثبات وجوده.
إن المعرفة العلمية تظل محصورة في حالة التحصيل العلمي بكل ظروفها وملابساتها، وهي حالة قصد يتجه اليها الفرد بكامل الوعي والادراك لكسب شهادة أو تحسين مستوى معيشي أو الوصول لمركز أو غاية من الغايات بيد أن هذه المعرفة عبر كل سنوات العلم والتحصيل، ماعلق أو يترسب منها يعتمد على عقل واجتهاد وجدية الفرد، بعكس الثقافة التي تمثل مخزون معرفي يكون التركيبة الشخصية للفرد وتمثل خلاصة تجربته البيئية التي تشربها قبل وعيه بالفكر وادراكه بالعقل فتعمل على تشكيل وجدانه تحديد مفاهيمه ورسم نمط حياته وتفكيره وصنع القيم الهادفة والنبيلة في شخصيته. وبالتالي فالمعرفة او التحصيل العلمي ليست بالضرورة أن تعني الثقافة بالمفهوم العلمي لمعنى الثقافة، كما أن سطوة السائد وما هو معتاد والتمسك بالموروث بغض النظر عن سلبياته لا تفي بذات المعنى ذلك أن ماهية الفرد تحددها البيئة التي يخرج منها وهي التي تصنع الاختلافات في المنطق والاسلوب ونمط التفكير المنفتح أو المنغلق وهذا ما يفسر كون العديد ممن يحتكون بمجتمعات أخرى وبيئات مختلفة من حيث الفكر والثقافة والمعايشة اليومية قد تتفق مع صياغة عقولهم والبنية الأساسية لثقافتهم أو تختلف، فتصادف منهم من يذهب ويعود أكثر انغلاقاً وتخلفاً أو أنه يتجرد من هويته بشكل مطلق.
إن ثقافة الحوارومعرفة الآخر وكيفية التعامل معه، وأهمية تكريس الجهود لنشرها في الاوساط الاجتماعية المختلفة بعيداً عن المجاملة والمديح والثناء وبمنتهى الموضوعية دون أن تكون في المصارحة عداء شخصي، أو أن الموضوعية والاختلاف مصادمة ومواجهة، هذه الجهود تعد من أهم مراحل القضاء على روح النفي، فالنقلة المادية من بيئة إلى أخرى ومن منصب إلى آخر ومن وظيفة إلا أخرى لا تعكس بالضرورة وجوداً ثقافة الحوار، كما أن القوالب الذهنية الجاهزة والإنطباعات المسبقة تلغي قيمة العقل المفكر والمدبر والفاحص والمتأمل، والأدهى أنها تلغي التواصل سواءً كان ذهنياً أو نفسياً أو سلوكياً، فأن تتمسك بفكرة أو موقف وينغلق التفكير عليها وتتخذ مواقف على صياغتها، بكل ما تنطوي عليه من سلبيات قد يتولد عنها مشاعر عدائية أساسها القولبة الذهنية لا غير. ويترتب عنها صراعات ومشاحنات المستفيد منها هو الخاسر الأكبر لأن العجلة تسير بالجميع وإن اديرت الدفة بيد واحدة فتلك اليد تمثل الكل، فهي حلم وعطاء جيل بأكمله ، جيل ليس بالمقدور تأطيره في حقبة زمنية معينة وانما كوكبة أو توليفة متداخلة تشمل الجميع.
ثقافة الحوار قد تبدأ مع الذات، فالبعض يعرف ويعلم أنه كذلك ولكن الطامة تكمن فيمن يدعي المعرفة ويشكك في غيره أو أنه لايعرف ولا يدري بأنه كذلك، وأعرّج على المزاد لأن أشقى العباد ذو المعرفة، فإذا ما تملكته روح النفي ماذا عليه أن يفعل يتراجع ينطوي يتجاهل أم يكابر أم يحاول أن يفعل أي شي للوصول نحو الأفضل، وهو مشبع بمسئوليته تجاه البيت الذي يعمرّه والحي الذي يقيم فيه والمجتمع الذي يأوي اليه والوطن الذي يعشق.
هل من يستطيع أن يصنع ويؤكد بأنه من جيل ال(نحن) لا (الأنا) وأنه قادرعلى التفعيل والتغيير رغم ما يحتويه الركب من مفسدين وانتهازيين ومتسلقين.
أم الخير الباروني
29/10/2006
في المزاد العلني
-5- |